آراء وتحليلات

سياحة المؤتمرات في السعودية.. إلى أين؟ !!

اقتصادنا 1 يونيو 2020

مقال : محمد قاري السيد (مؤلف، وباحث في الشأن السياحي)

خلال السنوات الخمس الماضية شهد قطاع الأعمال في المملكة العربية السعودية نموا كبيرا أسهم بوضوح في تحفيز النمو الاقتصادي وكان لنشاط المعارض دور كبير في استقطاب العارضين المحليين والدوليين مما يفسح المجال أمام عقد صفقات مع الشركات المتخصصة في تقديم المنتجات والخدمات خلال اللقاءات بين والوكلاء ورجال الأعمال من مختلف دول العالم إضافة إلى دوره في نفاذ الصادرات والمنتجات السعودية للخارج في ظل الواقع الاقتصادي القوي للمملكة والبيئة الملائمة من الناحية التشريعية لنمو هذا القطاع الاقتصادي الحيوي والتي كان آخرها انشاء الهيئة العامة للمعارض والمؤتمرات مما يجسد اهتمام الدولة بهذا القطاع ، الا اننا سوف نركز على الحديث عن سياحة المؤتمرات في المملكة العربية السعودية.

   مراحل نمو القطاع

مر قطاع المعارض والمؤتمرات منذ نشأته بالعديد من المراحل بدءا من اللجنة العامة للمعارض والمؤتمرات مرورا بإطلاق المركز الوطني للمعارض والمؤتمرات وانتهاء بصدور قرار مجلس الوزراء بإنشاء الهيئة العامة للمعارض والمؤتمرات التي تختص بوضع الخطط والسياسات واصدار الموافقات والتراخيص والرقابة ، ومهام اخرى تسهم في تحقيق رؤية 2030 ومن اهمها تشجيع الاستثمار في قطاع المعارض والمؤتمرات والعمل على ابراز المملكة بصفتها وجهة جاذبة للمعارض والمؤتمرات الدولية وتأهيل وتدريب الكوادر الوطنية مما يدعم بشكل مباشر قطاع السياحة والسفر في المملكة ،وابراز مكانتها كوجهة ومقصد سياحي متميز بما تملكه من تراث وآثار وطبيعة ساحرة وشواطئ عريضة وجبال متنوعة وبنية تحتية وفوقية متطورة إضافة إلى تحقيقها لأعلى ناتج محلي في منطقة الخليج والشرق الاوسط ، وكونها أكبر دول الخليج العربي من حيث التعداد السكاني (34مليون نسمة ) وتملك القوة الاقتصادية التي جعلتها واحدة من ابرز مجموعة العشرين التي تتراسها هذا العام 2020.

تعد سياحة المؤتمرات نوع من أنواع السياحة الجديدة في المملكة التي شجع نموها على انشاء العديد من القاعات التي زودت بأحدث التقنيات، وكانت البداية في المدن الرئيسية كالرياض وجدة والمنطقة الشرقية، إلا أن سهولة وسائل الاتصال وتوفر المواصلات الجوية واكتمال شبكة الطرق ومشاريع الايواء أدى إلى دخول مناطق جديدة إلى منظومة قطاع المؤتمرات كالطائف والمدينة المنورة وعسير والقصيم وغيرها ، التي استضافت مؤتمرات نوعية شهدت مشاركات واسعة من الوفود الاقتصادية والعلمية والثقافية والصحية – صاحبها إقبال كبير من المستثمرين والخبراء من داخل المملكة وخارجها -مما يدل على نجاح هذا القطاع كأداة تسويقية فاعلة أسهمت في تعزيز مكانة المملكة في المجالات الإعلامية والسياسية والاقتصادية.

وبالنظر لترقب الكثيرين لعودة سياحة المؤتمرات إلى الواجهة من جديد فقد كان هناك زخم كبير من الاجتماعات وورش العمل على منصات التواصل الاجتماعي -خلال فترة حظر التجول- أدى إلى رفع نسبة التوقعات بإمكانية المضي قدما في الاعتماد على هذه الاجتماعات الافتراضية بعد أن اصبح بالإمكان اللقاء وجها لوجه مع الجانب الآخر متاحا في أي وقت ومن أي مكان في العالم. وعلى الرغم من تفهم المنظمين والمشاركين والمسئولين لطبيعة الوضع الحالي الذي يتطلب التواصل بأية طريقة متاحه، إلا أنه لا يمكن القول ان الاجتماعات الافتراضية هي الخيار الأمثل، بل من المناسب وضع الخطط العملية والخيارات الاستراتيجية لمرحلة ما بعد كورونا، والتركيز بدرجة أكبر على المؤتمرات التي تعنى بزيادة التعاون الدولي في مختلف المجالات السياسية والثقافية والعلمية والرياضية والاقتصادية. مما يزيد من الدعاية للمملكة والتأكيد على تمتعها بأوضاع امنية وسياسية مستقرة.

مميزات سياحة المؤتمرات

إن الاهتمام بسياحة المؤتمرات يعود إلى أهمية هذا النوع من السياحة المتمثلة في مجموعة من المميزات ومنها:

  • ارتفاع العائد الاقتصادي من سياحة المؤتمرات إذا ما قورن بالأنواع الاخرى للسياحة نظرا لنوعية المشاركين من اصحاب الدخول العالية كرجال الأعمال والسياسيين والوفود التجارية والطبية والعلمية وغيرها.
  • إن السائحين الذين يحضرون هذه المؤتمرات يكونون في الغالب ذو مستوى تعليمي وثقافي مرتفع، مما يكون له مردود في الدعاية الإيجابية للبلد المضيف للمؤتمر عند العودة للموطن الأصلي، وكذلك في حالة العودة مرة أخرى.
  • تعتمد سياحة المؤتمرات على المجموعات والوفود مما يؤدي إلى زيادة نسبة الاشغال في الفنادق والمنتجعات السياحية والقيام برحلات منظمة او جولات حرة إلى المناطق السياحية بعد الجلسات او على هامش المؤتمر مما يسهم في وراج وانتعاش السياحة.
  • إن استضافة المؤتمرات والمنتديات يدل على ما يتمتع به البلد المضيف من اوضاع سياسية وامنية مستقرة، وعلى مكانته في المحافل الدولية كما يزيد من إحساس السكان المحليين من أبناء البلد المضيف بقيمة بلدهم واعتزازهم بها، وأن لها وضعها على الساحة الدولية.
  • التغلب على فترات الركود في المناطق السياحية الموسمية مما يسهم في تشغيل الفنادق وتنشيط برامج الرحلات السياحية.

تعزيز التنافسية وتكامل الخدمات

نتيجة للتطور الاقتصادي الكبير الذي شهدته المملكة العربية السعودية خلال الأعوام المنصرمة نشطت هذه السياحة وخصوصا في المراكز الاقتصادية الكبيرة كجدة والرياض والمنطقة الشرقية التي تتوفر بها جميع المرافق المطلوبة لإقامة هذا النوع من السياحة ، وتشير الإحصائيات إلى أنه يوجد في المملكة 155فندقا من فئة الخمس نجوم التي تضم قاعات مختلفة الاحجام ، إضافة إلى القاعات المخصصة للمؤتمرات التي تنتشر في المدن الرئيسة التي تضم غرفا للترجمة الفورية ،ومراكز إعلامية مزودة بكافة الخدمات الحديثة كالإنترنت والمعدات السمعية والبصرية . ومن هذه المراكز: مركز الملك عبد العزيز للمؤتمرات، ومركز مؤتمرات الفيصلية وقاعة الملك فيصل للمؤتمرات، وقصر المؤتمرات بالطائف.

كما اهتمت وزارة السياحة بقطاع الأعمال في المملكة، وعملت بالتعاون مع وزارة التجارة والهيئة العامة للمعارض والمؤتمرات ومجالس الغرف التجارية، لتطوير ما يتطلبه هذا النوع من السياحة ليكون أكثر تنافسية (ترتيب المملكة 69)، ولا غرو أن يتوقع المتابعون أن يصل حجم سياحة الأعمال في سنة 2024 إلى 30 ملياراً. ومن المتوقع أن تلعب الهيئة العامة للمعارض والمؤتمرات على تطوير سياحة الأعمال والعمل على رفع عدد الرحلات السياحية المحلية القادمة المرتبطة بسياحة الأعمال، مع التركيز على تطوير وزيادة منتجات وبرامج هذا النوع من السياحة ورفع جودتها.

مؤتمرات وملتقيات متنوعة

تستضيف عدد من المدن السعودية مؤتمرات وملتقيات ومنتديات متخصصة في السياحة ومنها: الملتقى الاول لآثار المملكة ، وملتقى التراث العمراني الوطني ، وملتقى ألوان السعودية ، وملتقى مشروع الملك عبد الله للعناية بالتراث الحضاري ، وملتقى أصحاب المتاحف الخاصة ، وملتقى السفر والاستثمار السياحي، وملتقى أمن وسلامة السياحة والاثار ، وملتقى الوحدات السكنية المفروشة إضافة إلى عدد من المنتديات ومنها: منتدى جدة الاقتصادي ، والمنتدى السعودي للمؤتمرات والمعارض وعددا من المؤتمرات ومنها مؤتمر آثار وتراث البحر الأحمر ، ومؤتمر الاثار والسياحة بالعلا ومؤتمر التراث العمراني في الدول الاسلامية ، وقد نجحت معظم هذه المعارض في التعريف بالإمكانيات السياحية التي تضمها المملكة وكيفية تطويرها إضافة إلى تحديد المقاصد السياحية والأثرية الجاهزة لاستقبال السياح المحليين والوافدين خصوصا بعد أن قامت الحكومة بفتح باب التأشيرات السياحية والتوجه النشط نحو الاستثمار السياحي من الشركات المحلية والعالمية.

كما أسهمت هذه الفعاليات في إتاحة الفرصة أمام الخبراء والمستثمرين والعاملين في قطاع السياحة لتبادل الخبرات تحت مظلة واحدة وتوفير الاجواء المناسبة للمناقشة وفتح آفاق جديدة للتعاون وتسويق برامجهم ومشروعاتهم السياحية بشكل مباشر.

نمو سياحي مضطرد

يعد قطاع السياحة في المملكة بعدما تم أدراجه وفق رؤية 2030 أحد بدائل اقتصاديات ما بعد النفط خصوصا بعد أن حقق القطاع السياحي نموا واضحا خلال السنوات القليلة الماضية حيث تشير احصاءات مركز الأبحاث السياحية إلى ارتفاع مساهمته إلى ٔ ٤.٩٪ كما وصل عدد الوظائف في القطاع إلى ١.٠٥٤ مليون. ووصل عدد الرحلات الوافدة ٢١.٥ مليون رحلة، والرحلات المغادرة ٢١.٢ مليون رحلة، والرحلات المحلية ٥٧.٤ مليون. وتبرز هذه النتائج الدعم الحكومي المتواصل للقطاع السياحي الواعد الذي من المتوقع أن يتجاوز 21مليون سائح في عام 2024حسب التقرير الصادر من سوق السفر العربي، مما تنعكس آثاره الايجابية على قطاع الأعمال وخصوصا سياحة المؤتمرات.

وإذا تمعنا في تقرير “كوليرز انترناشونال ” نجد أن هذا النمو يأتي استجابة للطلب المتزايد من سكان دول مجلس التعاون الخليجي الذي يحرصون على قضاء اجازاتهم (وأداء العمرة وزيارة المدينة المنورة) إضافة إلى القيام بجولات سياحية في المناطق السياحية ولو لفترة قصيرة وخصوصا في الاجازات المدرسية، فضلاً عن رغبة المسافرين من فئة رجال الأعمال الذين يزورون المملكة لغرض الأعمال في تمديد إقامتهم واستكشاف العروض السياحية الميزة أو حضور أحد الأحداث الرياضية أو الفعاليات الثقافية أو المهرجانات.

وإذا كانت المملكة العربية السعودية تهدف إلى استقبال 100 مليون سائح بحلول عام 2030 فإن ذلك يؤكد على سعيها لأن تصبح وجهة للأعمال باعتبارها واحدة من أغنى الدول في العالم وهي غنية في الوقت نفسه بمقوماتها الطبيعية المتنوعة وعروضها المختلفة. إضافة إلى توجه الكثير من العلامات الفندقية الاقليمية العالمية للتوسع في مشاريعها بشكل أكبر في السوق السعودي نتيجة للنمو المنتظر من اعداد السائحين والزوار خلال الأعوام القادمة.

الاسهام في التنمية السياحة

وتشير الاحصائيات الصادرة عن المركز الوطني (الهيئة العامة حاليا) للمعارض والمؤتمرات إلى أن صناعة الاجتماعات السعودية شهدت نموا كبيرا خلال السنوات الخمسة الماضية، حيث رخص (10.139) فعالية أعمال خلال عام 2017م، بزيادة بلغت نسبتها 16 % مقارنة بعام 2016م، و33 % مقارنة بعام 2015م. كما ارتفعت نسبة المعارض والمؤتمرات في الربع الأول من عام 2018 بنسبة 21% مقارنة بالربع الأول من عام 2017. وعلى مستوى المناطق الرئيسة بالمملكة تصدرت الرياض بنسبة بلغت 49%، تلتها منطقة مكة المكرمة 30%، وجاءت المنطقة الشرقية في المرتبة الثالثة بنسبة 15%، والمدينة المنورة 3%، وشملت هذه المعارض قطاعات الرعاية الصحية، والتعليم، والتقنية والاتصالات، والاقتصاد والتجارة والسلع الاستهلاكية والتجزئة، والخدمات المهنية وغيرها.

وهنا ندرك أن هذا القطاع يمثل حيزا مهما في الاقتصاد الوطني تصل حاليا إلى (0.5%) من الناتج المحلي الإجمالي، ومن المتوقع أن ترتفع النسبة لتتجاوز الـ 1% قبل نهاية عام 2020م، كما وصلت نسبة الانفاق إلى اكثر من 20 % من إجمالي السياحة في المملكة حيث قام أكثر من (4.5) مليون زائر بحضور المعارض والمؤتمرات بمعدلات إنفاق تجاوزت (9) مليار ريال. كما كشفت التقارير الاحصائية إلى ان اكثر من 15% من اجمالي الرحلات السياحية كان بهدف حضور فعاليات الاعمال.

التدريب والتوطين

يحمل قطاع المؤتمرات والمعارض الكثير من الفرص الكفيلة بتوظيف الشباب السعودي في مختلف المناطق والمحافظات مما يحد من نسبة البطالة، واستيعاب المزيد من خريجي المعاهد والكليات السياحية والتقنية فهو جزء من هدف الدولة في تحسين مستوى المعيشة والاسهام في تعزيز القيمة المضافة إلى الاقتصاد الوطني بعيدا عن النفط. ورغم أن الاحصاءات الصادرة من المركز الوطني للمعارض. تشير إلى أن عدد العاملين في هذه الصناعة يتجاوز الـ 60 ألف شخص يعملون في تنظيم فعاليات الأعمال وتقديم خدمات التوريد لها وإدارة مرافق المعارض والمؤتمرات.

تطوير سياحة المؤتمرات

  • توفير صالات جديدة لاستضافة المؤتمرات وفق ارقي المواصفات مما يشجع المنظمين على اختيار الموقع لإقامة المؤتمرات وحبذا لو كانت بالقرب من المواقع السياحية والتاريخية والأثرية في مناطق ومحافظات المملكة وعدم الاقتصار على المدن الرئيسية مما يسهم في نمو اقتصاديات المناطق
  • تشجيع الاندماج والمشاركة بين الشركات العاملة في القطاع بالتنسيق مع الغرف التجارية والصناعية والهيئة العامة للمعارض والمؤتمرات، وأن يشمل ذلك شركات توريد الخدمات.
  • استخدام التقنية الحديثة في إدارة تنظيم المؤتمرات وتدريب الكوادر البشرية المؤهلة للمقدرة على التعامل مع البيانات وملاءمة الجديد في تقنية المعلومات مع متطلبات المناهج الحديثة في تنظيم المعارض والمؤتمرات
  • الترخيص للمزيد من الجمعيات التعاونية لتطوير صناعة الاجتماعات بالمملكة من جهة، وتشجيع المنظمات الصغيرة والمتوسطة للدخول إلى السوق بقوة من جهة اخرى، إضافة إلى تصنيف الشركات المحلية وفقا لإمكاناتها وخبراتها في هذا المجال
  • العمل على توفير فرص التوظيف لخريجي برنامج البعثات الخارجية ولمن انهوا تدريبهم في المعاهد والكليات والجامعات السعودية، حيث من المتوقع أن يشهد السوق اعدادا كبيرة من الشباب المتخصصين في السياحة والترفيه بوجه عام وفي تنظيم المعارض والمؤتمرات على وجه الخصوص.
  • القيام بحملة إعلامية وإعلانية للتعريف بالإمكانات القائمة بالتنسيق مع الهيئة العامة للسياحة التي تم انشاؤها مؤخرا، بعد تحويل هيئة السياحة والتراث الوطني إلى وزارة
  • التنسيق مع المنظمات والشركات الخارجية المنظمة للمؤتمرات لإقامة المؤتمرات في الدول المختلفة.
  • استقطاب المزيد من الشركات العالمية المتخصصة في إدارة وتنظيم المعارض والمؤتمرات (صناعة الاجتماعات) إلى صناعة الاجتماعات السعودية شريطة أن تقوم بنقل الخبرة والمعرفة والمعايير الدولية للشركات المحلية.
  • الرفع من مستوى المنظمات المحلية وتقديم الدعم المناسب لتتمكن من قيادة صناعة المعارض والمؤتمرات والحد من الاعتماد على الشركات الأجنبية في اقرب فرصة ممكنة لتوطين هذه الصناعة الواعدة.

 

وفي الختام يمكن القول إن الاهتمام بسياحة الأعمال ومنها سياحة المؤتمرات سيجعلها واحدة من أهم الانماط السياحية التي ستنعكس     آثارها على مستقبل السياحة بوجه عام.

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى