أخبار عالمية

مشارقة يكتب في موسكو ذات صيف

محمود مشارقة
محمود مشارقة

اقتصادنا – دبي
كتب مدير قسم أسواق المال في صحيفة الاقتصادية والخبير في الشأن الروسي محمود مشارقة عبر صفحته في وسائل التواصل الاجتماعي فيسبوك مقالا تحت عنوان
في موسكو ذات صيف وجاء مقاله على النحو التالي.

عدت أدراجي صيف عام 1991 إلى موسكو بعد شهرين من إجازة سنوية في العاصمة البولندية وارسو قضيتها برفقة أخي العزيز الدكتور تيسير مشارقة .
شوارع وارسو ومقاهي المدينة القديمة فيها هادئة بعكس ضجيج موسكو وشوارعها.. حتى الطقس الشتوي في بولندا كان هادئا بعكس بردنا القاسي في روسيا.
نزلت في محطة القطارات المركزية في موسكو منتصف أغسطس.. المكان كان يعج بأصوات المسافرين والقادمين، حملت حقيبتي إلى محطة المترو للذهاب الى محطة ساكولنكي حيث سكن الطلبة.. لا حاجة وقتها لاستخدام سيارة أجرة في بلاد وسائل النقل فيها مريحة وآمنة وتكلفتها منخفضة.
أجواء روسيا كانت محتقنة جدا أواخر الصيف.. الأوضاع الاقتصادية مربكة ورفوف المتاجر فارغة من المواد الغذائية، عليك أن تؤمن احتياجاتك المعيشية بسلاسة وفهلوة .
بعد 4 أيام بالتمام والكمال.. سمعنا عن انقلاب في الاتحاد السوفيتي من التلفزيون رغم أن سكن الطلبة يبعد 20 دقيقة بالمترو عن مبنى الكرملين.. لقد تم اقصاء ميخائيل غورباتشوف ونقله الى جهة مجهولة.. مصير مجهول ينتظر البلاد والعباد وتساؤلات في داخلي هل سيدخل الاتحاد السوفيتي تحت قبضة العسكر في صراع دموي؟
أخذتني الحماسة يومها للذهاب إلى الساحة الحمراء لرؤية هذا الحدث مباشرة .. عليك أن تعيش اللحظات التاريخية في حقبة زمنية فريدة من نوعها.. سقط منظر البريسترويكا وصاحب سياسة الغلاسنوست (الانفتاح والشفافية).. أصبحنا قاب قوسين أو أدنى من الدخول في عهد الرأسمالية العفنة كما يحلو للمؤدلجين وصفها.
في الساحة الحمراء كان الجيش الروسي يبتسم لنا وبعضهم يسمح للسياح بالتقاط الصور التذكارية.. لا شيء يشبه الانقلاب ولا دموية في المشهد، فصاحب البريسترويكا تسبب في انهيار المستوى المعيشي للسكان وأدى إلى انتشار الفقر وتشجيع السوق السوداء، وزادت في عصره النزعات الانفصالية حتى خرج دول البلطيق من المعادلة.. كان انهيار الاتحاد السوفياتي وعظمته الكاذبة وشيكا ومتوقعا، فنتائج الاستفتاء الشعبي الذي جرى في مارس 1991 قبل الانقلاب صوتت أغلبية الناس فيه تأييدا للحفاظ على الاتحاد السوفيتي باستثناء الجمهوريات الست، وهي لتوانيا ولاتفيا واستونيا وجورجيا ومولدوفا وأرمينيا، التي كانت أعلنت استقلالها فكانت الجمهوريات الست المستثناة أول من دق مسمارا في نعش الاتحاد المصطنع. ففي يونيو من العام ذاته قام غورباتشوف وزعماء الجمهوريات التسع المتبقية من هيكل الاتحاد السوفياتي وبينها أوكرانيا بإعلان تكوين اتحاد الدول المستقلة كفيدرالية لا مركزية.
عاد غورباتشوف رئيسا للاتحاد السوفيتي مؤقتا من مكان احتجازه في شبه جزيرة القرم وتم اعتقال أعضاء لجنة الدولة لحالة الطوارئ الانقلابية. وانتظرنا قليلا حتى اعلان الرئيس الروسي بوريس يلتسن اسقاط غورباتشوف وانهاء منظومة حكمت البلاد 70 عاما، وأصدر بعدها مرسوما يقضي بوقف نشاط الحزب الشيوعي للاتحاد السوفيتي ، منهيا حقبة تاريخية لها ما لها من إيجابيات وعليها مآخذ وملاحظات بالجملة .
روسيا القوية تشكلت على أنقاض اتحاد سوفيتي فاشل، سيطرت فيه موسكو على مفاصل 15 دولة جارة، لكن تكلفة هذا الاتحاد على موسكو كبيرة من وجهة نظر الروس ، الذين كانوا يعتبرون بلادهم بقرة حلوب تغذي جاراتها الناكرة للمعروف.
أتذكر حال روسيا الأمس وحالها اليوم، وأنا اتابع تطور الصراع الروسي -الاوكراني والغزو الوشيك للجارة الغربية، والذي يروج له أمريكيا على نطاق واسع ، والسؤال الذي يجول في خاطري، هل يريد فلاديمير بوتين أن يعيد أمجاد الاتحاد السوفيتي السابق أم أننا مرحلة من حماية العمق الاستراتيجي لروسيا أمنيا ؟ هل تدخل موسكو في حرب خاسرة ورابحة في نفس الوقت.. فهي ستخسر الاقتصاد لكنها تجر أوروبا العجوز إلى انهيار شامل لمنظومتها للأمن والطاقة.. هل تربح أمريكا الجولة أم تنتهي الزوبعة بحلول دبلوماسية منتظرة؟ أسئلة كثيرة برسم الإجابة!!

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى